tahalil-logo-ar1

الهجوم على شنقيط

بترتيب ثلاثي المستويات و بمسافة فصل من 2 الى 3 كلم بين كل نسق و الذي يليه،
يندفع رتل من ثمانين (08) عربة, دون كلل منذ الساعة 00: 20 قبل يوم، لاجتياز مسافة 388 كلم, تبعده عن مدينة شنقيط مخترقا (وران) عبر مسار من الشمال الشرقي في اتجاه الجنوب الغربي -مفازة يستحيل على غير المتمرسين بالمنطقة عبورها بامان-.

كانت عربات الرتل تسير في خط مستقيم مقتفية خط سير عربة المقدمة, تفاديا لتحديد عددها في حالة ما إذا كشف امرها, ولتحاشيي الوقوع في الحفر الرخوة المنتشرة في منطقة كثبان رملية متحركة .
يجلس دليل الرتل -وهو بدوى ترعرع في المنطقة- بين السائق و قائد العربة الأولي و هو قادر على الاهتداء حتى وهو مغمض العينين, في متاهات بحر من الرمال المتحولة, تجتاحه عواصف رملية مغبرة تشتد غالبا في هذه الفترة من السنة, فكأنما هي دوامة عاتية تبتلع الرتل
شيئا فشيئا مع مرور الوقت. ومنذ انطلاق الرتل من منطقة انتشاره قبل يومين و لغاية الساعة لم تحلق في الجو أية
طائرة و تلك اشارة تبعث على الاطمئنان على نجاح سرية التقرب من الهدف. ومن حين لآخر تبتلع الرمال احدى الشاحنات عند تقاطع أسنمة الكثبان الرملية، و هي
فرصة التوقف الوحيدة ، حيث ينطلق الرتل مباشرة فور اخراج الآلية في اتجاه هدفه. لم تبرمج سلفا أية توقفات للراحة أو الطعام فتلك ضروريات كانت تستوفى على متن العربات المتحركة, فالرتل لا يتحرك إلا ليلا، حيث يتوقف على الساعة السادسة صباحا لقضاء
النهار بكامله مستغلا اغطية التمويه (الشبابيك) لإخفاء العربات عن الرصد الجوي. وفي يوم 9 اكتوبر 7911 كان الملازم محمد ولد الطاهر احد طياري القوة الجوية المميزين يقوم بمهمة استطلاع للمربع (ما يعتك – كلب – اهيرور- شنقيط) على متن طائرة من نوع ديفاندير ، أثر معلومات صادرة عن قطاع (وادان) تشير الى سماع ازيز محركات قبل يوم على الساعة 30: 19 شمال غرب (ما يعتك) و اثناء تحليقه فوق المنطقة يكتشف رتلا معاديا
على الحافة الشمالية (لتنوشرت)، فيبلغ المنطقة العسكرية الثالثة بوجوده بشكل قاطع. يتم على الفور ارسال قوة من المنطقة العسكرية الأولى بقيادة العقيد فياه ولد المعيوف
لتعزيز المنطقة العسكرية الثالثة.
وفي نفس الوقت تقوم المنطقة العسكرية الثانية باصدار أوامر تحرك للوحدة المحمولة 73 بقيادة الملازم محمد الأمين ولد انجيان و الوحدة المحمولة 71 بقيادة الملازم اعل ولد محمد فال -وهما من مغامري حرب الصحرى البارزين- لتعزيز المنطقة العسكرية الثالثة كذالك.
أما الكتيبة 38 المشكلة من وحدة القتال المحمولة 17 مع سبع عربات (ووحدة من الحرس
الوطني مع 72 عربة قتال بالإضافة الى فصيل قيادة مع 1 عربات بقيادة الملازم محمد فال ولد لمرابط, فقد استنفرت قبل يوم, و تتكامل عناصرها على مستوي (أبير آمشترك) بهدف
التمفصل استعداد لدخول المعركة الوشيكة. في حين تكامل وصول الكتيبة 38 الى ممر (أمكجار) على الساعة 22:00 وهي تتحرك
في اتجاه شنقيط متكأة على جبل (الزركة) من خلال ممر صخري في بدايته ورملي على طول 18 كلم المتبقية, الأمر الذي يفسر البطء الملاحظ على تقدم وحداتها بفعل تضرر العجلات و الغوص في الرمال الذي استعدي في الكثير من الحالات نزعها بسواعد الرجال, ولن تصل
هذه الكتيبة الى شنقيط قبل الساعة 00: 02 صباحا. تتمركز في مدينة شنقيط وحدة ثابتة بقيادة الملازم محمد محفوظ ولد محمد محمود الملقب
(الدف) وهي تتابع باستمرار تقدم العدو مع قائد الطائرة بالتوازي مع اجراءات تنظيم الميدان من خلال تدعيم مواقعها و حماية دفاعاتها بمزيد من العوائق على كافة منافذ الاختراق المحملة, مع تحضير رمايات التمييز لهاونات 07 ملم.
تتحصن هذه الوحدة في اربعة مواقع حول المدينة (بوجال ، تيمزداتن ) في اتجاه الشمال و الشرق, شمال حي الصنكه قبالة (أودي تنيار) والكثبان الرملية المطلة على مدرج الطائرات في اتجاه الغرب والشمال الغربي.
وزعت الكثيبة 38 الى ثلاثة وحدات تدخل لصالح (بوجال، تيمزداتن) ثم الكثبان الرملية الشرقية.
عند الساعة 00: 04, ترتج المواقع القتالية بفعل هدير محركات الرتل المعادي,كانت الاتصالات بين مختلف الوحدات في حالة جيدة, كما كانت معنويات الرجال عالية وهم يستعدون للانخراط في المعركة.
تتشكل قوة العدو من كتيبة ب(08) عربة. تتمفصل على ثلاثة انساق: -النسق الأول/ مهمته الهجوم على مدينة شنقيط . -النسق الثاني/ متاهب على مستوى (تنويسرت) -في حين يوجد النسق الثالث في الماخرة خلف (ما يعتك).
شيدت مدينة شنقيط على مرتفع منفرج القاعدة بين رافد (تنيار), و بطحاء الواد الرئيسية, تحيط بها سلسلة كثبان عصية على الاجتياز, وبوجود مرتفع وحيد يمثله نتوء “أكويطي” مما جعل امكانية النفاذ اليها تنحصر في الغرب عبر البطحاء, وطريق اطار شنقيط, ومن الشمال
عبر رافد (تنيار) ومن الشرق عبر بطحاء مجري الوادي. على الساعة 81.38 يبلغ جمال (ابجاوي) عن مشاهدته لرتل يتقدم محاذيا لسلسة الكثبان
شمال (أنتكمكمت) متجها غربا, في الوقت الذي أصبحت فيه المواقع الدفاعية تشعر بتحضيرات العدو دون مشاهدته, استعدادا لاطلاق هجومه على المدينة.
وفي هذه الاثناء كانت وحدات المنطقة العسكري الاولي بقيادة العقيد فياه ولد المعيوف تتجمع على بعد (72 كلم) الساعة 80.38 شرق مدينة اطار, لتلتحق بها قوات المنطقة العسكرية الثالثة, بقيادة المقدم المصطفي ولد محمد السالك.
وفي خضم ذلك يطلق العدو هجومه على شنقيط من الشرق متخذا مهبط الطيران نقطة ارتكازه بواسطة 78 عربات قتال, وعند بلوغه المدى الفعال لأسلحة عناصر الوحدة الثابتة يتعرض لوابل من النيران الفردية و الجماعية في رمي مباشر, يصيبه بإرباك و تشتت لوهلة
قبل أن يتخذ القرار بمواصلة صولته الأولي. بيد أن تعرضه لأضرار فادحة بفعل الرماية الدقيقة للهوان 07 (ملم) ولدت لديه قناعة
باستحالة نجاح عمليته, فتراجع محمتيا خلف الكثبان الرملية الى الشمال الغربي. اثر فشل صولته الاولي يخضع العدو المدينة لقصف مدفعي من بطارياته المشكلة بالأساس من (هاونات 728 ملم), و مدافع الميدان 18 ملم, و مدافع B10 عديم الارتداد, مع محاولات تسلل من طرفي (تندوعلي), نمط تحرك, كان قائد الكتيبة 17 الملازم اول / محمد فال ول
لمرابط قد توقعه سلفا, فجاء الرد على الفور, و تم الدفع به الى الخلف مرة أخرى. لقد أدى اغلاق هذه النقطة بالإضافة الى معوقات الميدان الى إيقاف محاولات العدو لاختراق دفاعات المدينة, وقد امتنع عن ارسال عناصره الراجلة, فهزيمة (وادان) في 7911/89/21
مازالت عالقة في الاذهان. لم يعد بيد العدو من حيلة اذا, سوى صرف النظر عن الهجوم وانتقاء اجرائات بديلة بعد
فشل مناورته الرئيسية, لذا انشأ نقاطا ثابتة و مترس عناصره المحمولة, و نصب مدفعيته على الكثبان الرملية الى الشمال الغربي من المدينة, محاولا الاقتحام مجددا من ناحية (بوجالة), متخذا من البطحاء نقطة ارتكاز تسلله, و هنا يصتدم مرة ثانية بمقاومة شديدة من مواقع الوحدة
الثابتة. خلال تحليقها فوق مسرح العمليات كانت طائرة الديفاندير بقيادة محمد ولد الطاهر توافي
المدافعين اول بأول بمعلومات قيمة عن العدو و تحركاته, و هو مجهود تكتيكي لا يقدر بثمن في سبيل إنجاح مناورة صد الهجوم المعادي.
لقد بات واضحا لدى العدو ان الاستلاء على الحامية سيكون امرا شاقا, بفضل التنسيق الجيد والتعاون الفعال بين الوحدة الثابتة, بقيادة محمد محفوظ ولد محمد محمود (الدف), والوحدات المحمول بقيادة كل من الملازم اول المخطار ولد السالك, و الملازم عبد الرحيم ولد
سيدي عالي. مكن إخفاق مناروة العدو المبكر, الحامية من استغلال تلك الفرصة الثمينة, و ذلك
باخضاعه لارادتها من خلال اخذ زمام المبادرة و القيام بهجمات مضادة لتكبيده مزيدا من الخسائر وارغامه على فك الحصار عن المدينة.
فبعد معرفة نمط مناورة العدو حصلت لدى قيادة الوحدات المدافعة قناعة مفادها : انه في ظل عجزه عن اقتحام المدينة, سيلجا الى خيار الحصار الطويل, لذا اصدرت أوامر صارمة لاجل الاقتصاد في استخدام الذخيرة.
فعلى مدى 81 ساعات من قتال ضار و متقارب, منع العدو من اقتحام المدينة, بفضل تضافر جهود الطائرة الحربية, والوحدات المحمولة, والمواقع الدفاعية الثابتة, وذالك رغم تفوقه الكبير, و فوق ذلك تعرض لهزيمة ماحقة في هذا الهجوم, وفقد على اثرها العديد من عناصره والكثير
من عتاده الحربي. يقوم العوعلى الساعة 38 :73 بتجميع وحداته شمال المدينة بعدما ايقن ان هجومه باء بفشل
ذريع, متفاديا مزيدا من الخسائر, حيث نمى اليه ان تعزيزات على وشك الوصول الى الحامية من خلال تصنته على شبكة الاتصالات الصديقة, فحمل (بتشديد الميم) القتلى و المصابين, وقام بقطر (جر) الياته المعطوبة ثم انطلق منسحبا في اتجاه الشمال.
وبعد ساعتين من انسحابه تصل أولى التعزيزات على التوالي الى مدينة شنقيط, بقيادة قائدي المنطقة العسكرية الثالثة والمنطقة العسكرية الأولى, وعلى الساعة 30: 18 تدخل كذلك الوحدتان المحمولتان 73 و 71 من المنطقة العسكرية الثالثة.
وكان اخر وحدة تعزيزات تصل شنقيطي تابعة للمنطقة العسكرية السادسة معززة بعنصر من قطاع اكجوجت على الساعة 23:30.
تم صرف النظر عن المطاردة التي كان لها ان تبيد العدو لو تمت, بفعل تأخر تكامل وصول الوحدات الى شنقيطي, بما فيها شاحنات الميرة (لوجستيك).
وفي فجر العاشر من أكتوبر 7911 قام العدو وهو في طريق تقهقره بمناوشة حامية وادان علامة على الياس و الخذلان.
“مقطع من “الحرب المجهولة”
بقلم/ العقيد المتقاعد
محمد الأمين ولد الطالب جدو
نقله الى العربية /
النقيب السابق محمد يسلم ولد اعمر