مراسلة خاصة:العسكر الفرنسي في مدينة أطار   
27/06/2010

 يصفها البعض بقلب الشمال الموريتاني و  يتكلم معظم سكانها اللغة الفرنسية عن طريق التعلم أو الروية  مدينة أطار 450 شمال نواكشوط ربما تصبح قلب موريتانيا " الجديدة"  النابض و المدافع ، هذا ما تعطيه المؤشرات العسكرية السائدة  و الإهتمام الفرنسي المتزايد و ما يرافقها من ورشات بناء و فرص عمل موازية لا يجدها سكان بعض مدن البلد الأفقر عربيا  .



    أحياء " يرفلون " و موتى " يرقدون "

"فرنسا تختار أطار و هذا أفضل لأطار و لموريتانيا " يقول ذلك الشيخ الطاعن في السن و الذى كان يعمل خادما  " جرصون "  في أحد القصور الفرنسية التي ما تزال بقاياها ماثلة  ، تغرورق عيناه  بالدمع أو هكذا يمثل و هو يشاهد عددا أهديته له من صحيفة " لموند " ـ وصل إلي بطريقة ما  ـ رغم عدم قدرته على قراءة محتواه لكنه يحسن الكلام بلغة موليير و كذا تقليد الضحكات الفرنسية و النكات و هز المنكبين و الشد على الشفتين إنه مغرم بذلك ، ... يعني "خرف" بهذه الطريقة ،
 كان عدد " لموند " ذلك  قد  قدم مع رزمة من الصحف على متن الطائرات العسكرية الفرنسية التي استحدثت خطا مباشرا بين المطار العسكري في أطار و إحدى القواعد الفرنسية قرب باريس ، و هي ذاتها الطائرات التي كانت تقوم طوال الأسبوع الماضي و حتى يوم  الجمعة الماضي  بعمليات إنزال المظليين الضباط الطلبة و الذي أشفع بعملية إنزال نوعية يوم أمس أصبحت بمقتضاها سماء أطار مليئة بالمظليات الفرنسية ، قبل ذلك كان فقط العلم الفرنسي يتخلل الأعلام الموريتانية ( واحد إلي سبعة ) نظرا لعدد الطلاب . و كنت قد  علمت من مصدر عسكري أن الجيش الموريتاني قد أرسل طلبية لأحدى الشركات بعدد من المظليات لكنها لم تجهز في الوقت المناسب ، فاضطر إلي تقديم طلب  لإجراء التدريب بدعم فرنسي فقبل الفرنسيون ذلك  ، لكنهم استغلوه لتدريب أنفسهم على الإنزال في الصحراء و المناطق الجبلية و في الظروف المناخية القاسية حوالي 45 درجة حرارية ، أصبحوا سمرا من شدة الحر هذه الأيام  .
 وفد القوات الجوية الفرنسية غادر بعد إقامة مريحة في فندق الواحة و سيحل محله وفد آخر لكن يبدو أن مهمته أشق و أقسى خصوصا مع رياح السموم الجارفة التي تلفح الوجوه العربية هنا في أطار .
القسم العسكري الجديد مكلف بتدريب كتيبة مراقبة أمن الطرق و  مكافحة الهجرة السرية  و التهريب و هي الهيئة التي استحدثت مؤخرا و عين على رأسها العقيد مسغارو ولد سيدي عضو المجلس العسكري الحاكم سابقا  و الذي قدم إلي أطار منذ يوم الخميس الماضي حتى الآن شارك فقط في حفلات الشواء  التي أقيمت على شرفه بحضور حصري من القادة العسكريين و بقية السلطات .لكن ربما ينسيه قابل الأيام ـ إن كان سيدرب شخصيا ـ هناء الأيام المريحة و يذكره بما قبل ذلك من مشقة التدريب الإجباري و قد قال لي عسكريون إن التدريب الفرنسي شاق .
غادر ذلك الوفد و قدم الآخر و هم كذلك منذ أشهر إلا القسم المركزي المعروف اختصارا ب " دامو" ( قسم الأسلحة العسكرية التنفيذية ) ، الذي يبدو أنه لا يتجه إلا إلي  التمركز فقد عقد صفقات عمل مفتوحة لا يتوقع أصحابها أن تنتهي في القريب العاجل .
هذه أمور عسكرية لا تعود بزيادة و لا نقصان على عيش السكان إنما هم مهتمون بالأساس بالورشات الكبيرة التي يقيمها الفرنسيون في قصورهم السابقة أو في باحات المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة ، و التي تدر عليهم نفعا هم بأمس الحاجة إليه .
القصر العسكري الفرنسي المحاذي لسكن الوالي تشهد  باحته هذه الأيام ورشة بناء كبيرة ، يمثل ذلك القصر الكثير من الذكريات لصاحبي العجوز هنا كان حوض السباحة ، هنا ملعب الباسكيت ، هنا المكاتب أما في الطابق الأرضي المطمور بفعل سيول 1984 فهناك كانت  أغلى وثائق الفرنسيين ، يعود هذا القصر الذي ما زال ماثلا إلي ثلاثينيات القرن الماضي و كان يستغل بعد الاستقلال كمركز لتجمع الحرس الجهوي قبل أن تطردهم السيول الغاضبة .
يقول ضباط عسكريين يحامون عن سياسات قادتهم ، يتكلمون إلينا بفعل الفضول أو بإيعاز من القادة " إن ذلك المبنى الذي يشرف على بناءه عضو من مجلس الشيوخ سيكون سكنا للثانوية العسكرية الجوية ، بينما سيكون البناء الضخم الموجود بجنوب المدرسة مكاتب ثانوية الطيران العسكري ، يتحدث هؤلاء الضباط إلي بطلب منهم  و رغبة لا تخفى ثم يواصلون عن أهمية التعاون العسكري الفرنسي لموريتانيا ، تدريبات رائدة ،  بنايات و منشآت تبقى لموريتانيا ، في كتيبة الصاعقة و المظليين مول التعاون 72 حمام و مبنى كبير للإتصالات اللا سلكية ....: توجيه من هذا النوع .
و رغم أن العسكر الفرنسي المقيم  في أطار لا يجد كثيرا من الوقت  إلا أنه يقتطع أوقات قليلة و نادرة  لزيارة البعثة الكاتوليكية بالمدينة  ، و بعضهم وقف على المقبرة الفرنسية التي
دفن أول نزيل فيها  العام 1918 و منذ ذلك التاريخ و حتى خروج الإستعمار و هي تحتضن الجنود و ضباط الصف الفرنسيين و الأفارقة ، يكلف الرقيب مونييه نفسه بالعناية بالمقبرة وقد حصل على تمويل لترميمها في السنوات الأخيرة بعد الزيارة التي قام بها السفير الفرنسي في فبراير العام 2008  للمدينة لكن ما يميز المقبرة  ليس الحائط المبني على طريقة مونييه وفق نهج يتبعه في كافة عقاراته إنما باب الخشب النادر الذي استخدم كبوابة لقلعة قرب أمكجار التابع لشنقيط  بنيت خصيصا  لتمثيل  فيلم  فورسفوغان  العام 1983 ، يحكي هذا الفيلم إحدى قصص المقاومة في الجزائر ، منع الجزائريون تصوره على أراضيهم فصور في جبال آدرار الموريتانية .
يقفون أمام تلك البوابة النادرة وقفة إجلال إنهم يحترمون كل فرنسي قادر على البقاء في هذه الأرض حتى ولو كان ميتا

أطار/ مراسلة خاصة


جريدة مستقلة رقم الترخيص 003 بتاريخ 19/1/2006 المقر : الحي الجامعي م 583 تلفون 00 (222) 46319207 انواكشوط ـ موريتانيا

contact@journaltahalil.com:البريد الألكتروني
تحاليل 2006-2022 جميع الحقوق محفوظة