أين نحن من نقد الذات؟    
22/03/2013


ترى الواحد منا ينظر للواقع ويحلل المشاكل السياسية والاجتماعية و الدينية...و يدلي بدلوه في كل موضوع، كما لو أنه تخرج من أكاديمية في العلوم السياسية أو الاقتصادية...وعندما تناقشه تجد أنه لم يقرأ يوما عن السياسة ولاعن أنواع الانظمة بل يجهل المواد الواردة في دستور بلاده.
حديثي هذه المرة ليس عن الدستور ولا عن الأنظمة بل عن الصراع الاسلامي (بالمفهوم الايديولوجي ) والعلماني داخل عالمنا العربي الاسلامي.صراع أصبح الخبز اليومي لكل من يروق له هذا التصور أو ذاك. عندما تسأل العلماني عن الاسلامي فيقول لك هؤلاء أشخاص يستخدمون الدين لأغراض سياسية أي تجار من الدرجة (أ)،يريدون أن يسلبونا حريتنا...
أما الاسلامي فيقول لك :العلمانيون أعداء الاسلام والمسلمين،يروجون الثقافة الغربية داخل مجتمعاتنا ،يكرهون الحضارة العربية الاسلامية...في أمواج هذه الاتهامات ورياحها العاتية يبقى الجاهل بالدين الاسلامي ،وبالحضارة والثقافة الغربية في حيرة من أمره إلى أن يقول وبعد عناء الجهل وحب المعرفة أي الطرفين صادق ؟ إن كنت تسألني فلا أدري كل ما أعرفه أن الاسلامي ينقد العلماني والعلماني ينقد الاسلامي لكن على أي أساس تتم عملية النقد هذه؟
ينظر العلماني عادة إلى الاسلامي (المتشدد) كشخص متزمت ،رافض للآخر ،كاره للديمقراطية ،هدفه أن تحل الشورى محل الديمقراطية التي يراها العلمانيون الضامن للحريات و المساواة بين الافراد.أما الاسلاميون المعتدلون حسب بعض العلمانيين فهم يستخدمون الدين لأغراض سياسية بل يذهب بعضهم إلى أبعد من ذالك حين يقول إن هذا الصنف الاخير من الاسلاميين يظهرون التمسك بالمبادئ الديمقراطية لكن الحقيقة عكس ما يظهرون. فقد اعتبر بعض الاسلاميين الديمقراطية بعيدة كل البعد أن الثقافة العربية الاسلامية،فهي ثقافة مستوردة من بيئة تبيح ما نحرم وتحرم ما نبيح . رفض استند أصحابه على آيات قرآنية وأحاديث نبوية.
يقول بعض العلمانيين إن اجتهادات العلماء في العصر الأموي والعباسي خضعت لاعتبارات سياسية بحتة في بعض الأمور المصيرية للأمة ، إضافة إلى أن النص القراني تعددت قراءاته حسب المفسرين بحيث أصبح المرء لا يدري أي المجتهدين يحمل المشعل الصحيح للإسلام. إذا افترضنا صدق الأقاويل السالفة الذكر ، فإن الديمقراطية - التي ينادي بها العلمانيون و بعض الاسلاميين - كنظام للحكم وللحياة الكريمة -ليست بعيدة عن التأويل والتفسير الذاتي للأفراد. فقد ادعت النظريات الليبرالية والاشتراكية والشيوعية والفاشية أنها الديمقراطية الحقة و أن ما سواها ظلم للإنسان واستنقاص من قيمته بل هناك من المفكرين في أوروبا من يجمع بين النقضين لاسيما عندما تسمع بمفهوم " الديكتاتورية الديمقراطية " .هل هي حقيقة أو نوع من التلاعب بالألفاظ؟ مالفرق إذن بين السفسطائيين في الحقبة اليونانية وأصحاب هذا الطرح في القرن الحادي والعشرين ؟ أليس هذا الطرح دليلا على تيه أصحابه؟ هل يمكن أن يكون الديكتاتور ديمقراطيا؟ إذا كان الجواب بنعم لماذا نحارب الديكتاتورية؟.
كثيرة هي المفردات ( رجعي ، ظلامي ،أصـولي ، متشدد ، إسلامي ، سـلفي ،علماني ،ملحد ، يساري شيوعي ...)التي تشغلنا عن بناء أوطاننا ، عبارات تجاوزها الزمن لكن الانسان العربي والمسلم لم ولن يتجاوزها إن تجاوزها فإلى مفردات أسوأ منها. عندما تتأمل في المشهد السياسي في الدول الغربية تجد أن التيارات البارزة في فرنسا: اشتراكيين أو يساريين ويمينيين، بريطانيا: حزب العمال و حزب المحافظين،الولايات المتحدة الامريكية: الجمهوريين و الديمقراطيين...أليس وجود حزبين متنافسين -ظاهريا- في الدول الغربية دليلا على انسجام وتوافق ساسة ونخب تلك المجتمعات؟ فإلى متى سنبقى نحن العرب والمسلمين نتصارع ونتراشق بمفردات غيرنا؟
ففي خضم الصراع العلماني والإسلامي (بالمفهوم الايديولوجي) أي النظامين ديمقراطي النظام الشيوعي أم النظام الليبرالي ؟ أيتبع المسلمون الطرح السلفي للحياة السياسية والاجتماعية...أم الطرح الإخواني؟
لتفادي هذا الصراع الايديولوجي كان على الاسلاميين أن يدرسوا العلوم الشرعية كالفقه والعقيدة والأصول...ويطلعوا على الفلسفات الاوربية في مختلف العلوم الاجتماعية ( دوركايم...)والنفسية ( فرويد...) حتى يستطيعوا أن ينقدوا الثقافة الاوروبية نقدا واقعيا بعيدا عن الاحكام المسبقة والصور النمطية (لأن صراع العلمانيين مع الاسلاميين هو صراع فكري اجتماعي بالأساس).فهو ليس صراعا عربيا غربيا بقدرما هو صراع أفراد المجتمع العربي المسلم .
الشئ ذاته، ينطبق على العلمانيين الذين يسعون إلى تطبيق الديمقراطية داخل المجتمعات العربية التي تعيش تخلفا على جميع الاصعدة مقارنة بنظيراتها حول العالم.فلو أن العلماني درس الفقه الاسلامي و الأصول و الاجتهاد ...والكيفية التي تتعامل بها هذه العلوم الشرعية مع الاوضاع الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية...داخل المجتمعات العربية الاسلامية لاستطاع أن يقدم طرحا نقديا مبنيا على أسس علمية ودراسة واقعية للمجتمع العربي الاسلامي الشئ الذي يمكن أن يقدم هذه الامة التي تعيش أحلك عصورها في ظل هذا الصراع الذي لاشك أنه يخدم أعداء أمتنا ولا يخدمنا نحن كعرب ومسلمين.
واعتقد أن سبب تخلف العالم العربي الاسلامي يعود أحيانا إلى التجاذب الفكري بين العلمانيين والإسلاميين.فكل واحد من هؤلاء "المأدجين" يريد أن يفرض رأيه حتى ولو تطلب ذالك استعمال القوة.وحسب تصوري لو بنى كل طرف تصوره على الطرحين السابقين لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. وللأسف الشديد ، لايمكن تطبيق الطرحين السابقين لأن كل طرف متحصن إيديولوجيا بحيث أصبح لا يقبل أي طرح لا يتماشى وتصوره. لكن السؤال المطروح ،متى سننقد ذواتنا لنحل مشاكلنا؟
باب احمد ولد بادي كاتب وصحفي (تونس)

Source : www.aqlame.com


جريدة مستقلة رقم الترخيص 003 بتاريخ 19/1/2006 المقر : الحي الجامعي م 583 تلفون 00 (222) 46319207 انواكشوط ـ موريتانيا

contact@journaltahalil.com:البريد الألكتروني
تحاليل 2006-2022 جميع الحقوق محفوظة