اعتبر رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني المعارض (حاتم)، صالح ولد حننا الذي يشغل مقعداً في البرلمان الموريتاني، أن "القراءة الموضوعية لوضعية موريتانيا السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنذر فعلا بمخاطر حقيقية"، معتبراً أن "على كل العقلاء والحكماء في هذا البلد أن يبذلوا كل ما يستطيعون من جهد لتفادي الأسوء"، على حد تعبيره.
ولد حننا كان يتحدث في مقابلة مع إذاعة صحراء ميديا، وفيما يلي نص المقابلة:
صحراء ميديا: السيد الرئيس كيف تقيمون الوضع الحالي الاقتصادي على ضوء ما يجري الحديث عنه حاليا من أن البلاد تعيش في خير تام مع فائض في الميزانية ؟ صالح ولد حنن: الحقيقة أنني لست ممن يفضلون التشاؤم إلا أن القراءة الموضوعية لوضعية البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنذر فعلا بمخاطر حقيقية سيكون من الحتمي على كل العقلاء والحكماء في هذا البلد أن يضعوها نصب أعينهم، وأن يبذلوا كل ما يستطيعون من جهد لتفادي الأسوء. إذا نظرنا إلى الوضع السياسي فالأزمة الناجمة عن انقلاب 2008 مازالت تتفاقم يوما بعد يوم، بل إنني لا أبالغ إذا قلت إنها وصلت إلى مستوى من الانسداد والاصطفاف السياسي يجعل البلد فعلا في خطر حقيقي. أما على المستوى الاقتصادي فمن المؤكد أن الفساد يتفاقم بشكل مستمر وأن القطاعات الكبرى لهذا الاقتصاد تتعرض للنهب بشكل مكشوف، لا أبالغ إذا قلت إنه أكثر وقاحة من أي نهب سبقه. أما في الوضع الاجتماعي تعرفون جيدا أن الزيادات المستمرة بمعدل زيادتين في الشهر لأسعار البنزين ستنعكس بالتأكيد على بقية السلع، وتعتبر أيضا سؤالا محيرا فبالرغم من أن أسعار البنزين في العالم تنخفض فنحن نشهد هذا الازدياد، وكأنه بوتيرة مبرمجة سلفاً لتصل إلى ثلاث زيادات في الشهر منذ أن وصل الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة؛ هذا ينعكس على أسعار المواد الأساسية الأخرى كلها، بالإضافة إلى البطالة المتفشية وسوء الوضع الصحي والتعليم الذي اعترف الوزير الأول مؤخرا أمام المنتديات بفشله وأنه في أسوء أحواله. طبعا هذه كلها أمور تجعل البلد يعيش وضعا خطيرا، قد يكابر البعض ويقول إنه يمتلك احتياطات كبيرة من العملات الصعبة، طبعا أنتم تعرفون من أين جاءت هذه العملات الصعبة، التي جاءت أساسا من الفدية التي أخذت ثمنا لتسليم السنوسي إلى السلطات الليبية؛ وهي كانت في حدود 250 مليون دولار، هنالك أيضا الضرائب التي تزداد يوما بعد يوم وتثقل كاهل المواطن؛ والتي أصبحت تهدد الفاعلين الاقتصاديين في البلد، طبعا هناك جهد كبير في هذا المجال، وهناك أيضا بيع رخص التنقيب الذي وصل رقما قياسيا في العامين الأخيرين؛ هذه هي مصادر هذه العملة الصعبة الموجودة، وبالتالي هي لا تشكل نجاحا اقتصاديا لكنها تعبر عن مستوى من التدني الأخلاقي لدى الدولة الموريتانية بحيث أنها وضعت كل القيم جانبا، وبدأت تجمع الأموال بعقلية التاجر النهم الذي يريد أن يجمع رأس مال بكل الوسائل.
صحراء ميديا: السيد الرئيس أنتم تحدثتم عن هذه اللوحة القاتمة ولكن يرى البعض أنكم في المنسقية ما زلتم تقفون عند خطاب متحجر، أنتم شخصتم العلة فلم لا تصلون إلى الدواء؟ صالح ولد حننا: نحن شخصنا المرض منذ فترة ومن الواضح -بل إن هناك أوساط في الموالاة توافقنا في ذلك- أن أصل العلة هو وجود محمد ولد عبد العزيز في السلطة، ولذا كان مطلبنا برحيل النظام ليس لمشكلة شخصية مع الرجل وليس تكابرا منا في التعامل مع النظام، ولكن قناعة منا أن هذا الرجل بوجوده على رأس السلطة لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن ننجز الحد الأدنى من الإصلاحات الضرورية، من هذا المنطلق كان سقف مطالب المنسقية هو "الرحيل" الذي قد يقول البعض إنه كان مرتفعا، لكننا نعتبره حاجزا حقيقيا دون إنجاز الإصلاحات الحقيقية.
صحراء ميديا: ما هي الآلية التي تتبعون في إزاحة هذا النظام؟ صالح ولد حننا: طبعا نحن كنخب سياسية كأحزاب آليتنا في النضال السياسي هي النضال السلمي المعروف، التظاهر والاحتجاجات، والتعبير عن رؤيتنا بمختلف الأساليب السلمية، وهذا ما درجنا عليه منذ أكثر من عام لكن لا حياة لمن تنادي، كلما كنا سلميين وحشدنا الكثير من الجماهير كلما كان الاستفزاز من الطرف الآخر وكلما كانت الاستهانة بهذا الشعب بارزة في الخطاب الرسمي لدى الطرف الآخر؛ لكننا مع ذلك سنظل -إن شاء الله- صامدين في هذا الاتجاه ؛ سنظل محافظين على هذا الحراك السلمي حتى نصل إلى إزالة هذا النظام. البلاء الأكبر هو أن من يحكم موريتانيا الآن هو شخص واحد ليس بحاجة إلى من يستشيره ولا من يشاركه المسؤولية، وليس بحاجة إلى من يشاركه الرأي؛ فالوزير ليس له أي دور هو مكلف بتنفيذ مهام محددة في الزمان وفي المكان، والمدير كذلك، رئيس الدولة يصل في إعطاء الأوامر إلى رئيس المصلحة وبالتالي هو المحور الذي يتحكم في كل شيء وهذا ما لم تصل إليه الدولة الموريتانية ولا أي دولة في العالم. صحراء ميديا: ما هي طبيعة هذا الحكم وكيف يتم هذا التحكم في نظركم؟ صالح لد حننا: هذا الرئيس يحكم بالقوة وبالميليشيات التي كونها في الحرس الرئاسي، وبالتالي فإن الناس تخاف من هذه القوة، أما الطمع فلم يعد واردا لأنه تأكد للجميع أنه ليس هناك طمع، وبالتالي فالخوف هو الذي يحكم به هذا الرجل.
صحراء ميديا: أخيرا أسدل الستار على مبادرة الرئيس مسعود التي تحولت من مبادرة شخصية إلى مبادرة تبنتها كتل، وأنت شخصيا حضرت كأحد رؤساء أحزاب منسقية المعارضة، هل يعني هذا ضمنيا أنكم تباركون هذه المبادرة وسيكون هناك تنسيق؟ صالح ولد حننا: نحن في منسقية المعارضة، وفي حاتم بالذات، نعتبر أن هذا البلد يعيش أزمة حقيقية، هذه المبادرة جاءت لتكرس الاعتراف من الطرف الآخر بوجود هذه الأزمة، هذا نعتبره أمرا إيجابيا واعترافا بواقع حقيقي، ونحن بالتأكيد نرحب بكل المبادرات ومستعدون للاستماع لكل المبادرات وللتعاطي مع كل المبادرات، لاشك أن هذه المبادرة حملت أفكارا إيجابية ولا شك أنه هناك ما يمكن وينبغي إضافته إليها حتى تخرج البلد من أزمته السياسية. أعتقد أن رئيس المبادرة والفريق الداعم لها -كما ذكروا- هم بصدد تشكيل لجنة للاتصالات، وإذا ما اتصلت بالمنسقية ستعطيها كل ما لديها من تقييم للمقترحات وما لديها من إضافات، وبالتأكيد ستكون ضرورية وفي خدمة المصالحة الوطنية، وبالتالي أعتقد أنه إذا توفرت الإرادة الحقيقية لهذه المصالحة فالموريتانيون لديهم من العقل والحكمة ما يمكنهم من ذلك. غير أن الحزب الحاكم قد عبر من خلال مسؤوليه عن رفضه لهذه المقترحات جملة وتفصيلا، وهذا ما نتوقعه لأننا نعرف أن الطرف الآخر أو على الأصح رئيس الدولة المتحكم في كل شيء والآمر الناهي لا يرى الأشياء كما هي، وبالتالي ليست لديه أية نية أو إرادة لتصحيح الواقع وهذا فعلا ما يجعلنا أكثر قلقا وما يجعلنا أكثر خوفا على البلد وعلى مستقبله.
صحراء ميديا: الآن دخلت الحرب في مالي المراحل النهائية؛ أنت منحدر من الولايات الأكثر تماسا مع هذه الدولة ولديك تجربة في التعامل مع الأفارقة، وانطلاقا من خلفيتك عسكرية كيف تقرأ هذه الحرب من الناحية الإستراتيجية والأمنية على موريتانيا وعلى المنطقة عموماً ؟ صالح ولد حننا: اسمح لي أن لا أوافقك في المسلمة التي انطلقت منها وهي أن الحرب أوشكت على نهايتها، فأنا أعتقد أن الحرب تكاد تكون لم تبدأ حتى الآن لأسباب موضوعية معروفة في مثل هذا النوع من الصراعات والنزاعات الذي تخوضه دول عظمى فرنسا وأمريكا في أمكنة أخرى ضد تنظيمات مدربة ومنظمة بشكل جيد، وبمقدورها أن تخوض حرب عصابات لفترات طويلة من الزمن وهي مهيأة لذلك؛ وبالتالي فلا يمكن أن نقول إن الحرب تشرف على نهايتها قبل أن تبدأ. هذه الحرب ستكون لها آثار خطيرة جدا على منطقة الساحل عموما وعلى موريتانيا بشكل خاص، لأن من يعرف الخريطة الجيو-سياسية في المنطقة ويعرف مستوى تلاحم وشائج القربى بين الشعبين الموريتاني والمالي اللذين يتلامسان في حدود أكثر من ست ولايات أساسية من أكثر الولايات كثافة سكانية وهي الولايات أساسا الرعوية التي يتميز أهلها بالمرونة وبعدم الاعتراف بالحدود أصلا؛ بالتالي هناك ترابط كبير جدا، هذا الترابط الكبير يجعل ما يحصل في أي من الجانبين يتأثر به الجانب الآخر هذا إذا ما أضيف إلى ترابط النسيج الاجتماعي خاصة أننا نعيش الآن تصفية أو إبادة ضد أعراق معينة في الشمال المالي، وهذا ما بدأت تؤكده المنظمات الحقوقية الدولية (أرمنيستي أنترنسيونال وهيومن رايتس ووتش)، كما أكدت الأمم المتحدة في مجلس الأمن أن هناك تجاوزات خطيرة تمس حقوق الإنسان، وأن هناك تصفية عرقية لقوميات ثلاث هي القوميات الأساسية في شمال مالي (الفلان والعرب والطوارق). هذه الأعمال لا يمكن أن تحصل دون أن يكون لها تأثيراتها المباشرة على النسيج الاجتماعي في البلدان المجاورة، وخاصة موريتانيا التي تعتبر هذه المجموعات البشرية مجموعات متشابكة جدا معها، إضافة إلى أن المناطق الشرقية من البلد تعتمد أساسا على رعي الحيوانات وهذه الحيوانات بطبيعتها لا تعترف بالحدود ولا تعترف بمكان محدد إذا ما حصلت مشاكل مثل ما يحصل الآن في الطرف الآخر لا شك أن هؤلاء سيجدون أنفسهم محاصرين ومحرومين من مراعي هي بالتأكيد مراعيهم منذ عشرات السنين هذا سيؤثر على الثروة الاقتصادية. إضافة إلى هذا التأثير الاقتصادي يوجد التأثير الاجتماعي من خلال التصفية العرقية وما يترتب عليها، وأزمة حقيقية في المنطقة ستؤثر على الجوانب الاقتصادية الأخرى طبعا وبالتأكيد فإن موريتانيا هي الخاسر الأكبر وهي أول من سيدفع ثمن الحرب التي تخوضها فرنسا في مالي.
صحراء ميديا: وقع أول أمس تعديل وزاري جزئي، في وزارتين من أكثر الوزارات انتقادا في البرلمان من طرفكم، هي وزارتي الصحة والإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، هل ترون في هذا التعديل نوع من المرونة تجاه مطالب المنسقية والمعاهدة ؟ صالح ولد حننا: لا أعتقد أن هنالك أي أهمية لأي تعديل وزاري مهما شمل هذا التعديل من أشخاص في موريتانيا، لأن موريتانيا اليوم تسيَّر من طرف شخص واحد هو محمد ولد عبد العزيز، حتى الوزير الأول ليست لديه أي صلاحيات وليس هنالك أي وزير يمكن أن يحاسب على شيء لأنه في الأساس ليس مسؤولا لا عن قرار ولا عن تنفيذ لقرار. المسؤول الوحيد هو محمد ولد عبد العزيز وقد يلجأ أحيانا إلى استبدال بعض حاشيته ومأموريه، ولكن هذا لا يغير شيئا في الأمر، فكل ما يحصل الآن من بلاء هو بسبب هذا الرجل لأنه هو المسؤول الأول والأخير وهو المسؤول عن أي فشل أو نجاح، وبالتالي فإنني أعتقد أن من يحمل الحكومة أي مسؤولية فهو يظلمها ونحن لا نريد أن نظلمها.
صحراء ميديا: شكراً جزيلاً Cheikh Med Horma
SOURCE : www.saharamedias.net
|