الوطني في مقابل السياسي/ الشيخ ولد حمادي   
09/07/2010

 أصبحت موريتانيا بعد 50 عاماً من الاستقلال في وضعية مأزقية ووصل مشروع الدولة إلى طريق مسدود , وإذا كنا جميعاً مطالبين بالبحث عن الحلول والمخارج من هذه الوضعية فإن لنا أن نتساءل عن أسبابها ومن يتحمل مسؤوليتها وتلك قد تكون الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح .



في البداية نستطيع أن نتحدث عن أسباب عديدة كما يمكن أن  نقسم المسؤولية بالتساوي بين الجميع كي نحمل كل مواطن موريتاني نصيبه منها , لكننا بالبحث والتدقيق نصل إلى نتيجة مؤداها أن السياسيين هم من يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية ذلك أنهم كانوا يتصدون للاهتمام بشؤوننا طيلة العقود الماضية , وقد وعدونا بالتقدم والرخاء والأمن والديمقراطية و الاستقرار لكننا لم نحصد من وعودهم  سوى التخلف والفقر والإرهاب والديكتاتورية والانقلابات , لقد مارسوا علينا الغش والخداع وكانوا أول المنتهكين للقيم التي بشرونا بها .
وعلى الرغم من أن الشأن العام يعتبر عادة مجالاً متروكاً للسياسيين باعتبارهم متطوعين دائمين للاهتمام به ؛ فقد اكتشفنا كما اكتشفت أمم من قبلنا أن العمل السياسي ليس سوى مطية لتحقيق مصالح الفئة التي تمتهنه ؛ وفي قاموس السياسة فإن الغاية تبرر الوسيلة والغاية هي الوصول إلى السلطة أما الوسيلة فقد تكون الكذب أو الخداع أو الغش أو الرشوة أو استغلال المقدس الديني أو الوطني أو إثارة النعرات القبلية و الاثنية ؛ لقد اكتشفنا ببساطة أن ما كنا نحسبه الحل هو المشكلة .
ولكن إذا كانت السياسة هي الجرثومة المسببة لأمراضنا , وإذا كان السياسيون هم أكثرنا تلوثاً بهذه الجرثومة , فما العلاج ؟ وكيف سنتدبر أمورنا من دون السياسيين ؟
إزاء هذه التحديات وبعد كل هذا الفشل و الإخفاق لم يعد هناك بد من المراجعة و المحاسبة ونقد الذات وما نحتاج إليه فعلاً  هو الخلق والابتكار في أفكارنا وممارساتنا .
إن ما ندعو إليه هو العمل الوطني بديلاً  عن العمل السياسي, وما نقدمه هو ثقافة الواجب بديلاً عن ثقافة الممكن , وما نسعى إليه هو رفع وصاية النخب السياسية عن الشؤون العامة , لأننا لا نريد بعد اليوم أن يعامل المواطن كقاصر بل كفاعل يتحمل المسؤولية الوطنية ويشارك مع غيره من المواطنين في صياغة مصير بلده.
وأخيراً ندعو المثقفين والمتعلمين وأصحاب الرأي ليكونوا رافعة لنهضة موريتانيا , وركيزة من ركائزها , وأن يجاهروا بآرائهم حتى ولو بدت صادمة وغير مألوفة  , وأن يصارحوا الجماهير بما يعتقدون أنه الحقيقة والمصلحة , لأنه لا أحد يخدم هذه الجماهير عبر مجاملتها وتعزيز نرجسيتها والتنازل لإرضائها .
وإذا كان السياسي هو الذي يقول للآخرين ما يريدون سماعه ,
 فإن الوطني هو الذي يقول لهم ما يجب أن يسمعوه .


جريدة مستقلة رقم الترخيص 003 بتاريخ 19/1/2006 المقر : الحي الجامعي م 583 تلفون 00 (222) 46319207 انواكشوط ـ موريتانيا

contact@journaltahalil.com:البريد الألكتروني
تحاليل 2006-2022 جميع الحقوق محفوظة