أزمة المياه – من العربات إلى مشروع آفطوط ( المهدي المنتظر )    
05/07/2010

عندما تستيقظ في الصباح الباكر وأنت تغالب النعاس  للذهاب إلى المسجد لأداء  فرض صلاة الصبح  أول ما سيخطر على بالك  هل الماء موجود لأتوضأ ؟ ثم بعد ذلك من أين لي أن أحصل على مائتين أو ثلاث أو أربع  لأشتري بريكة  اليوم؟ إنها معاناة تتكرر، الماء أغلى مفقود  والمفروض أن يكون أرخص موجود.



 في العاصمة الموريتانية انواكشوط ، حيث يتواجد أكثر من ثلث سكان البلاد،  يعيش في ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير إنسانية.  فعندما تتجول في أحزمة الفقر المحيطة بالعاصمة  لا ينقطع عن نظرك  تلك المشاهد  التي تتكرر  دوما و باستمرار،  عربة  فوق حمار  وعليها برميل ماء وأحيانا برميلين  وراءها  شاب أو رجل  تظهر  عليه علامات الفقر  والكد المجهد،   ينظر يمين يسار لعله يشاهد من يطلب الماء، وفي المقابل تشاهد بعض الصبيان تارة أو النساء تارة أخرى وهم على جنبات الطريق،  يخيل إليك في الوهلة الأولى  أنهم  أو أنهن في انتظار الباص، لكنك ما تلبث أن تتأكد أنهم  يريدون الماء! نحن  في القرن الحادي والعشرين و في العاصمة انواكشوط... مول لحمار عندك بريكة؟  فيجيب  بنعم  تارة وبلا تارة أخرى  وبعد ذلك يبدءون في مناقشة الثمن!
 البريكة بكم؟
 البريكة  ب:   300 أوقية   أو 400 أوقية... أو 1500 أوقية حسب الوفرة - الندرة من جهة وقلة - كثرة الطلب من جهة أخرى.
وفي الجانب الآخر للصورة  تسعى الشركة الوطنية للمياه – بتغطية تقل عن 10 %، - حيث سعر طن الماء في حدود 100 أوقية ، تسعى جاهدة  عن طريق الناطقين باسمها من أجل إقناع المواطن أنه لا يمكن أن يعيش في ظروف أحسن من التي هو عليها  على الأقل في هذه الفترة -  التي لا تنتهي - بسبب  كذا وكذا و... ولكن المشروع سيرى النور قريبا وسيكون العطش الموسمي خبرا لِكان.
الكيل بمكيالين – التعطيش الممنهج
يمكنك دون أدنى جهد أن تلاحظ الفرق الشاسع بين سعر الطن على العربات 300 * 5 =1500 أوقية وسعره في الحنفيات عند الشركة  في حدود 100 أوقية،  لتقف عند  الفرق الشاسع في الثمن  – التعطيش الممنهج – ، فالذي يشتري الماء  ب 1500 للطن هو المواطن الفقير الضعيف  الذي لا راتب له و يسكن  غالبا في الأحياء  العشوائية  و المقاطعات  والذي يحسب عليه الطن ب 100 أوقية هو الموظف   و كذلك البعثات الدبلوماسية وممثليهم و سكان ا لأحياء الراقية .
مشروع أفطوط الساحل – الغائب الحاضر
 في كل وقت تشتد فيه أزمة المياه - العطش المزمن في فصلي الصيف والخريف - تطل عليك عن طريق إحدى وسائل الإعلام  بعض الشخصيات التي تقدم لك  بوصفها  صانع القرار في وزارة المياه تارة وتارة بوصفها مسؤول سامي في الشركة الوطنية للمياه  وتارة أخرى بوصفها  مسؤولا نافذا عن  مشروع آفطوط (  المهدي المنتظر).  يبدأ الضيف كالمعتاد بابتسامة عريضة   من ورائها كلام صامت، يمكن تفسيره أنتم لم تموتوا في السنوات الماضية،  العطش في هذه السنة أعتقد أنه لن يكون أكثر حدة من السنوات الماضية،  ثم يعرض بعض الحجج الغير مقنعة  والوعود الغير واقعية  لتنتهي الحلقة  كما بدأت  و بأمنية الأمس واليوم وغد، انتظروا مشروع آفطوط  واصبروا على العطش الذي تعودتم عليه وإلى العام المقبل.
ونحن نعيش هذه المشاهد المتكررة يحق لنا أن  نتسائل عن دور الدولة عن طريق الوزارة ومن خلال المؤسسة الوصية،  الشركة الوطنية للمياه  في توفير الماء تحت شعار حنفية لكل أسرة  وذلك بتوسيع الشبكة  وبالتالي توفير هذه المادة الحيوية   التي لا غنى عنها أبدا  ليحصل المواطن على أحد ابسط حقوقه، الماء الصالح للشرب .
تساؤل  مشروع ، من المستفيد من الوضع القائم ؟
العطش المنظم  ثم السقي بالتقسيط مرحلة عمرية تمر بها أغلب شعوب العالم  ولكنها ما تلبث  أن تجد لها حلول جذرية ودائمة  خاصة في  الوسط الحضري، لكن في بلدنا، قليل السكان كثير الموارد لم تجد الحكومات المتعاقبة من الاستقلال إلى اليوم، لم تجد  حلولا  لهذا الإشكال ترى  لماذا ؟
 ربما لأن أصحاب القرار لم يتضرروا أبدا  و عليه كما يقول المثل الحساني "خبط ماهِ فيك كيفلِ  في جدر" .
 أو أن هناك أيادي طويلة متنفذة داخل مفاصل الدولة  لا تريد  حلا لمشكلة المياه (أصحاب الحنفيات التجارية الخصوصية... )
 أو أن موارد الدولة وإمكانياتها لا  يمكن أن تحل هذه المشكلة، استبعد هذا  الطرح الأخير وذلك اعتبارا لما سبق. 
أما بالنسبة للخيار الأول فمن الصعب  عليك كمتابع أن تقول إن المسؤول لا يهتم بالمواطن  ولا يتألم بألمه   ولا يعطش بعطشه ولكن المعطيات المتوفرة تقول شيئا من ذلك بل تذهب ابعد لتقول إنه ليس من السهل عليك كمواطن  أن تحصل على حنفية تجارية عمومية  فاللائحة المخول لها الحصول على ذلك معروفة لدى الجهات الرسمية  وإذا أردت كذلك الاشتراك للحصول على الماء الصالح للشرب في بيتك   وكانت الشبكة تمر بالقرب منك  وهي حالة نادرة جدا بسبب ضعف التغطية،  فسيوضع أمامك أكثر من شرط  وعرقلة لتظل تطلب الماء دوما وباستمرار على جنبات الطريق في القرن الحادي والعشرين .
أما الخيار الثاني،  المفعل بحدة العطش  فالمدافعون عنه تجار بامتياز  ولا يعرفون إلا  ثقافة توليد الدراهم، 5 تولد 5 ، 10 تولد 10 ...، وبالطبع لا مصلحة لهم في توفر الماء لأن ذلك بكل بساطة سينضب جيوبهم ، لكن من المسؤول؟ إن المسؤولية تلقى بالدرجة الأولى على عاتق الدولة  وكمرحلة أولية  يجب توفير  حنفيات عمومية وبعدد كبير في انتظار مشروع آفطوط ( المهدي المنتظر ).  
مسؤولية الحاكم وحق  المحكوم
من حق المواطن الحصول على الماء ومن واجبه ترشيده إذا حصل عليه،   من حقه طلب تحسين ظروفه ومن حقه أن ينعم بثروات بلده  وينعم بعدالة الحاكم حيث كل المواطنين على نفس المسافة من الحاكم،  وعلى نفس المسافة من الموارد، لهم نفس الحقوق و عليهم نفسها الواجبات، كل المواطنين من الدرجة ( أ )، عند ذلك سنهب جميعا لبناء الوطن كل من موقعه حيث لا شعور بتهميش ولا مرارة حرمان.  
الشيخ بن العتيق بن اعثيمين
belatigh@live.fr          2066820


جريدة مستقلة رقم الترخيص 003 بتاريخ 19/1/2006 المقر : الحي الجامعي م 583 تلفون 00 (222) 46319207 انواكشوط ـ موريتانيا

contact@journaltahalil.com:البريد الألكتروني
تحاليل 2006-2022 جميع الحقوق محفوظة