الجيش الموريتاني يواصل اقتفاء أثر القاعدة بعد خمس سنوات على    
09/06/2010

بعد مرور خمس سنوات على الهجوم الدامي الذي استهدف حامية "لمغيطي" العسكرية 1400 كلم شمال شرق العاصمة نواكشوط، يتمسك الجيش الوطني بحقه في الانتقام من الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال - جناح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي- ا



 التي تبنت العملية الإرهابية الأولى من نوعها في البلاد، فيما يواصل اقتفاء أثر عناصر التنظيم بمساعدة أدلاء البدو في صحارى شاسعة .

شكل الهجوم حينئذ إعلان حرب على موريتانيا التي كانت حتى يونيو من العام 2005 في منأى عن العنف الديني رغم احتقان العلاقة بين الدولة والجماعات الإسلامية منذ بداية العشرية الثانية من حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع 1984 - 2005.

في ذلك الصباح الباكر وقف ضباط من قيادة أركان الجيش ليقدموا للصحافة المرافقة للعسكر تعليمات واضحة، "عليكم أن لا تأخذوا معكم أجهزة هواتف أو إرسال مربوطة بالأقمار الصناعية وأن لا تأخذوا صورا غير متفق عليها مسبقا وأن تتقيدوا بتعليماتنا طيلة الرحلة ضمانا لسلامتكم سنأخذكم إلى قاعدة "لمغيطي" .

بعد يوم من السير أعد العسكريون استراحة في مدينة "زويرات" المنجمية أقصى المراكز الحضرية الكبيرة في الشمال قبل أن تبدأ في اليوم التالي المرحلة الأكثر صعوبة وخطورة من الرحلة في حدود الساعة الخامسة فجرا ، " أطمئنوا سنوفر لكم الحماية الازمة حتى الوصول إلى "لمغيطي" والعودة منها" ، يطمئن محمد الأمين ولد البراء أحد مساعدي قائد أركان الجيش الجنرال محمد ولد الغزواني الصحفيين الذين سمح لهم بالدخول لأول مرة إلى المنطقة التي أعلنت منطقة عسكرية مغلقة يحظر دخولها دون تراخيص خاصة من أحد قادة الفيالق العسكرية المنتشرة في تلك الصحراء الشاسعة.
الحماية العسكرية تشكلت من سرية خفيفة محمولة على أربعة سيارات عابرة للصحراء، اثنتين أمام الموكب واثنتين خلفه فوق كل منهما مدفع ثقيل وجنود مدججون بأسلحة أخرى رشاشة ، تقدم المقدم احمدو ولد عبد الودود (المضيف ذا الخمسة نجوم) من المنطقة العسكرية الثانية التي تتبع لها حامية "لمغيطي" الموكب في سيارة استطلاع لتفادي نصب كمين لقافلة تضم بين ركابها صيدا ثمينا لتنظيم القاعدة صحفيين أسبان وفرنسيين ، كانوا يسيرون بنا وهم يسابقون الزمن للوصول قبل مغيب الشمس تنفيذا لتعليمات قيادة الأركان التي تلزم وحداتها بتفادي دائما التحرك في هذه الصحراء الخطرة ليلا إلا في حالات الضرورة القصوى وعندما يشتبهون في خطوط جديدة رسمتها على الرمال عجلات سيارات تقطع الطريق الصحرواي يحيط الجنود بنا ويضعون أياديهم على الزناد فيما يقوم ضباط وجنود مدربون بتمشيط سريع حول نقطة التوقف قبل أن يأذن المقدم ولد البراء بمواصلة السير لاتمام محطات رحلة عكست انفتاح المؤسسة العسكرية على وسائل الاعلام بعد عقود من التعتيم والغموض .

لم يعد السفر في الصحراء أمنا وبسيطا مثل ما كان في السابق منذ أن أستوطنها الإرهاب "نحن نواجه فئة جديدة من قطاع الطرق خليط من الإرهابيين والمهربين وتجار المخدرات وهم مسلحون بشكل جيد ويتحركون في عابرات صحاري سريعة وقوية" يقول المقدم أحمدو ولد عبد الودود الضابط الخمسيني الصارم الذي انتقل من مركز عسكري إلى أخر في بلد مترامي الأطراف منذ أن التحق بالجيش قبل أكثر من عشرين عاما .

الطريق إلى "لمغيطي" هو جزء من أحد المسالك التجارية القديمة في الصحراء، و من مدينة "زويرات" قطعنا للوصل إلى حامية "لمغيطي" في يوم تجاوزت فيه درجة الحرارة أربعين درجة أكثر من 600 كلم في بيداء جافة وغير مأهولة بالسكان تندر فيها الأشجار ونقاط المياه الصالحة للشرب ضمن قافلة من عابرات الصحاري كان عليها أن تغوص أحيانا في كثبان الرمال التي تفصل بين أودية وأخرى.

يواجه الجيش الموريتاني في هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة تهديدات متنوعة فمنذ صيف سنة 2005 أصبحت ثكنات الجيش في الشمال والقوات التي تتحرك في المنطقة هدفا للجهاديين السلفيين الذين يتحركون في شكل زمر صغيرة تحاول نصب كمائن أو القيام بهجمات مباغتة لحصد اكبر عدد من القتلى في صفوف العسكريين الموريتانيين بعد أن أفتى فقهاء السلفية التكفيرية بجواز ذبح الجنود الذي يأتمرون بأوامر من درج جناح القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على تسميتهم بطواغيت نواكشوط ، يضاف إلى الخطر الإرهابي أنشطة عصابات التهريب وتجارة المخدرات المتحالفة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والتي تم تضييق الخناق عليها منذ وصول الرئيس الحالي محمد ولد العزيز الى السلطة قبل حوالي سنتين .

وقف الضباط والجنود في الموقع القديم للحامية العسكرية لإحياء ذكرى رفقاء السلاح الذين قتلوا في مثل هذا الشهر من العام 2005 خلال "غزوة" تنظيم القاعدة ، يقع الموقع في منخفض مكشوف تحت هضبة رملية كبيرة، كل ما تبقى من الموقع هو مصلى وحطام ما تبقى من مركز القيادة ونقاط الحراسة ومخازن السلاح والبنزين التي دمرها المسلحون السلفيون وشاحنة شاركت في الهجوم تركوها خلفهم، في مقابل مصلى الثكنة يقع القبر الجماعي الذي يرقد فيه شهداء الجيش، قرأ العسكريون الفاتحة على أرواح القتلى وقد أعتصرهم الألم والحزن والرغبة في الانتقام، مشاعر لم يستطيعوا إخفاءها رغم مرور خمس سنوات على الهجوم المأسوي وقدرة عسكر الصحراء عادة على إخفاء مشاعر كهذه بغلاف من الحدة والجفاء والصبر.

"هنا ينام شهداؤنا الثمانية عشرة، اثنان منهما عثر عليهما على بعد ثلاثة كيلومترات من هنا، فيما يبدو أنهما سارا وقد أثخنتهما الجراح بحثا عن مسعفين بين عابري السبيل لينزفا حتى الموت ، قطع السلفيون الطريق بعد أن دمروا مركز الربط والاتصال في الحامية ومنعوا سيارات التجار والمهربين لساعات من المرور من ذالك المعبر الصحراوي الإجباري للتعتيم على المذبحة حتى لا تتم ملاحقتهم بسرعة " يقول احد ضباط الصف العاملين في الحامية العسكرية .

يتذكر الجميع هنا تفاصيل ما حدث في ذالك اليوم الدامي ، "قبل الهجوم جاء مسافرون إلى الحامية وهم يتقمصون هوية تجار موريتانيين تمت ضيافتهم كعابري سبيل طبقا لتقاليد الضيافة الموريتانية ، تبين من خلال التحقيقات فيما بعد أن ضيوف الثكنة مهدوا للهجوم فقد جمعوا في انتظار شواء من لحم الضأن أعقبه شاي عالي التركيز كما اعتاد أهل الصحراء معلومات مهمة عن الموقع لذالك بدا السلفيون بتدمير مركز القيادة والاتصال ومخازن السلاح والبنزين وخلال أقل من ساعة أحكموا سيطرتهم على الموقع العسكري ، أنزلوا العلم الموريتاني على الأرض وقاموا بالاستيلاء على جميع ما في الموقع من ذخيرة وعتاد حربي وسيارات عابرة للصحارى وأجهزة اتصال" يروي ضابط صف أخر .

قتلى الهجوم الذي شكل باكورة العنف القاعدي في موريتانيا وجد بعضهم نفسه تحت رحمة نيران "القاعدة" وهم يهمون بالخروج من مصلى الثكنة بعد تأدية صلاة الفجر.

حتى ذالك التاريخ كانت "لمغيطي" مجرد نقطة تفتيش تقريبا بالقرب من بئر ماء في صحراء نائية شمال شرق موريتانيا.. كانت مهام الحامية تنحصر في مراقبة حركة المسافرين في تلك الصحراء والتدقيق في هوياتهم وملاحقة المهربين وتقديم المساعدة لسكان المنطقة من البدو الرحل لم يكن التهديد الإرهابي مطروحا "كان في الحامية ما بين ثلاثين إلى أربعين عسكريا وجميعهم لم يكونوا في وضعية قتالية"؛ يؤكد المقدم أحمدو ولد عبد الودود .

أنشئت موريتانيا في "لمغيطي" حامية عسكرية منذ سنوات الاستقلال الأولى عن فرنسا 1960 نظرا لأهمية بئر الماء تلك الجيوسترتيجية كمعبر إجباري بالنسبة للقوافل التجارية و المسافرين بين دول الصحراء الكبرى منذ عهود تجارة الملح . تم نقل الحامية بعد مهاجمتها من طرف المتشددين الإسلاميين إلى أعلى الهضبة وقام الجيش ببناء متاريس وأقام حواجز رملية لمنع تسلل الإرهابيين في المستقبل ومن حوالي أربعين عسكريا ارتفع عدد جنود الحامية ليصل إلى حوالي ثلاثمائة جندي تم تجهيزهم وتسليحهم بشكل جيد لمواجهة مقاتلين أشداء لا يعرفون الرحمة ويتحركون في شكل زمر صغيرة وبهويات مزورة.


خليل ولد اجدود

 صـحراء ميديـا


جريدة مستقلة رقم الترخيص 003 بتاريخ 19/1/2006 المقر : الحي الجامعي م 583 تلفون 00 (222) 46319207 انواكشوط ـ موريتانيا

contact@journaltahalil.com:البريد الألكتروني
تحاليل 2006-2022 جميع الحقوق محفوظة