tahalil-logo-ar1

الخريف.. متنفس لقاطني المدن مع كل موسم جديد

ما ان يبدأ تساقط الأمطار داخل البلاد حتى يشد ساكنة العاصمة نواكشوط وغيرها من المدن الكبيرة الرحال صوب المناطق التي اخضرت واعشوشبت بحثا عن أماكن النزهة والاستجمام والراحة، بعيدا عن ضوضاء المدينة وصخبها.

ويسارع المواطنون مع كل موسم خريف جديد عند إغلاق المدارس إلى الخروج عن المدينة باتجاه بلدات عادة ما تكون موطنهم الأصلي الذي ألفوه وألفهم، فيما يبحث البعض عن أماكن أخرى تمتاز بجمال مناظرها وتنوع تضاريسها وهدوء جوها الساحر، بعد عدة أشهر من وعثاء المدينة وصخب حياتها المتقلبة.

تلك عادة درج عليها الموريتانيون وألفوها كابرا عن كابر منذ نشأة الدولة الحديثة، في لوحة تجمع بين التقليد والحديث، بين البداوة والمعاصرة، ليعيدوا للخيمة الموريتانية ألقها الذي ما فتئت تحظى به في صورة ناصعة للموريتاني البدوي القح.

* الخيمة وارتباطها بالخريف *

ظلت الخيمة الموريتانية العنوان الأبرز لكل جميل يربط حاضر الشعب حديث العهد بالمدينة وطبيعة حياتها المختلفة عن الحياة القديمة بماضيه البدوي الزاخر بالأحداث الجميلة التقليدية اللا مصطنعة التي بدأت تتآكل مع تأثير الحضارات الأخرى وانفتاح العالم، فشكلت الخيمة بذلك على مر العصور حلقة وصل بين ماض بدوي وحاضر عصري متمدن، فكانت الرفيقة في الحل والترحال، بيت السامرين في الليالي الحالكات، ودفئ الأسرة من حر الشمس وزخات المطر والعواصف الرعدية، ومأوى المرهق والضيف وعابر السبيل.

ومع كل موسم خريفي جديد تسارع ربات الأسر إلى اقتناء خيم جديدة أو إصلاحها إن كانت موجودة، استعدادا لسفر عادة ما يأخذ من الوقت ثلاثة إلى أربعة أشهر تكون الخيمة فيه المنزل الوحيد لأفراد الأسرة وضيوفها، بعيدة فيها عن الشقق والمنازل الفخمة، في مشهد يتساوى فيه الجميع، مشهد يعيد إلى الأذهان ماضي شعب لا زال يتمسك بتراثه، رغم ما حاق به من مسلكيات دخيلة تحاول طمس الهوية الجمعوية لشعب ظل يتوق لماضيه الناصع والجميل، رغم التغيير المتسارع في كل مناحي الحياة.

وقد حافظت الخيمة الموريتانية على مكانتها طيلة العقود الماضية، ولا تزال تحتل نفس المكانة حتى في المدينة، وهي ظاهرة يرجعها البعض إلى تعلق الموريتانيين بالخيمة إبان فترة “الحل والترحال أو ما يعرف عندنا ب “الحلة” و”لفريك”، التي كانت الخيمة فيها شاهدة على تفاصيل تلك الحقبة وصولا إلى يومنا هذا.

وفسر البعض أن سبب مرافقة الخيمة للموريتانيين في كل مراحل تطور المجتمع يرجع إلى حرصهم على صون الموروث الشعبي وتمسكهم بماض يخشى الضياع، يختزل ذاكرة شعب بأكمله، إضافة لبساطة تشييد الخيمة وسهولة حملها وبساطة الحصول عليها أو صناعتها.. كلها أمور ساهمت في أن تظل الخيمة الموريتانية حاضرة مع الموريتانيين بحلهم وترحالهم، خاصة في موسم الخريف.

ويؤكد البعض أن سبب محافظة الموريتانيين على الخيمة يندرج أساسا في إطار صون مكانتها التي عرفت بها منذ أن كانت هي المأوى والمسكن الوحيد الذي يجمع شتات الأسرة وقت الراحة، وحفاظا على عادات المجتمع وتقاليده، رغم أن تلك العادات والتقاليد بدأت تتآكل في مجملها شيئا فشيئا، مع ضغط تأثير الحضارات الأجنبية الوافدة، إلا أن الخيمة لا تزال تحتفظ لنفسها بتلك الأبهة والمكانة، كما أن سهولة استخدامها وبساطة اقتنائها وجمال منظرها … الخ، كلها عوامل جعلت منها الأيقونة الخالدة بذاكرة شعب منذ النشأة وحتى اليوم.

* تداعيات الخريف الصحية:

مع كل موسم خريف تتكاثر برك مياه الأمطار التي تشكل مع طول الأمد خطرا يهدد سلامة المواطنين، وخاصة الأطفال وكبار السن الأكثر عرضة للمرض، إضافة لكثرة انتشار البعوض الذي يسبب هو الآخر أمراض مختلفة من بينها حمى الملاريا التي تكثر الإصابة بها خلال هذا الموسم.

وينصح الأطباء خلال فترة الخريف باتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر حفاظا على سلامة الأبناء وكبار السن، باعتبارهم المعرضون أكثر من غيرهم للمرض والعدوى به، كما ينصحون باتخاذ اجراءات السلامة من مداومة لغسل الأيدي بالماء والصابون، وتجنب البرك والأماكن الموبوءة، وفي حال ملاحظة أي أعراض للمرض يجب الإسراع بزيارة أقرب نقطة صحية لتشخيصه ومعالجته قبل فوات الأوان.

ويجمع الأطباء أن فترة الخريف تتكاثر بها الأمراض الموسمية الناجمة عن البعوض، وألبان الحيوانات أو لحومها وغير ذلك من الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بمرض ما، وللمحافظة من تلك الأسباب مجتمعة، ينصح الأطباء بتجنب برك المياه الراكدة والاستخدام الدائم للناموسيات المشبعة وتسخين اللبن قبل استخدامه، وطهي اللحوم جيدا.

محمد يحظيه سيدي محمد/س.أع