وجه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مساء اليوم الأربعاء خطابا هاما إلى الأمة، بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لعيد الاستقلال الوطني.
وأعلن فخامته أنه تقرر تخصيص علاوة شهرية بقدر 20.000 أوقية قديمة لمدرسي السنة السادسة من التعليم الأساسي، وتحسين ظروف أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن من خلال زيادة الرواتب الشهرية للجنود والوكلاء 15000 ألف أوقية قديمة ورواتب ضباط الصف 10000 آلاف أوقية قديمة.
وأضاف أنه ألزم الحكومة بالإسراع في الدعوة إلى حوار بين الأطراف الاجتماعية من أجل تدارس سبل الرفع من الحد الأدنى للأجور وبإطلاق دراسة تسمح بمراجعة نظام تقاعد موظفي القطاع العام قصد تحسين ظروف المتقاعدين.
وفيما يلي نص خطاب فخامة رئيس الجمهورية:
“بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
أيها المواطنون؛
أيتها المواطنات؛
هنيئا لكم جميعا، مواطني الأعزاء، أينما كنتم، بهذه الذكرى الرابعة والستين لعيد استقلالنا الوطني المجيد، إحدى أنصع صفحات تاريخنا، وأقواها إشراقا، وعزة.
صفحة كتب رجال مقاومتنا الأبطال أبرز فقراتها، بالبندقية واليَراعِ، في ملاحمهم وبطولاتهم، وصمودهم الفكري، والثقافي، انتصارا لحرية الوطن وكرامته، وذبا عن هويته الدينية والحضارية.
وإن الاحتفاء بهم واستحضار ذكراهم ليعزز لدى الجميع قيم حب الأوطان وعزتها، وما لها علينا من واجب التضحية، وخالص الولاء.
كما يقوي الإحساس بالانتماء للوطن والاعتزاز بتاريخه المشرق وبما بني فيه، من عيش مشترك أصيل يعكس تنوعنا الثقافي الفريد، وهويتنا الحضارية المتميزة.
ولذا يجب علينا جميعا، أيا تكن مواقعنا، أن نجعل أولى أولوياتنا صون هذا الوطن وتطويره وتنميته ليصير على قدر آمال وطموحات شعبنا، وفاء لتضحيات مقاومينا ولجهود أجيالنا التي تعاقبت على تشييد صرح الدولة الموريتانية.
إن الوطن أهم وأبقى منا جميعا، وصالحه العام مقدم مطلقا على المصالح الشخصية والفئوية، مهما تراءت عظيمة لأصحابها.
ولذا يضحى في سبيله بالغالي والنفيس كما جسد ذلك ميدانيا أبطال مقاومتنا، بشقيها العسكري، والفكري، وقد حملت قواتنا المسلحة وقوات أمننا مشعلهم، فكانت، منذ نشأتها، ولا تزال، درعنا الواقي، وحامي سيادتنا، وكرامة شعبنا.
فالرحمة وجنات الرضوان، لكل شهداء الوطن، والتحية والإجلال، لسائر أفراد قواتنا المسلحة، وقوات أمننا، ما عادت على مدار الزمان ذكرى هذا اليوم الأغر.
أيها المواطنون؛
أيتها المواطنات؛
لقد شكل استقلال بلادنا، استعادة للحرية، والسيادة، وميلادا جديدا للأمة، واكبه لدى شعبنا أمل كبير، في قيام دولة بالمفهوم الحديث، تدبر وترعى شؤونه ومصالحه، ويكون ركنها الأساس ومصدر السلطة فيها، وغايتها الأولى والنهائية.
وبقدر ما تعزز الدولة، وحدة شعبها، ولحمته الاجتماعية، وتجعل من خدمة المواطن، محور كل استراتيجياتها، وغاية أنماط حكامتها، بقدر ما تتهيأ لها أسباب المنعة، والتقدم والنماء.
وتأسيسا على ذلك، ونظرا لخطورة العوامل التي تضعف الانسجام الوطني، كالجو السياسي المتشنج، وتجذر التراتبيات الوهمية والعصبيات القبلية والشرائحية، على وحدتنا الوطنية ولحمتنا الاجتماعية، ولتنامي ظواهر الفقر، والغبن، والإقصاء، كرسنا عملنا طوال مأموريتنا المنصرمة، على محاربة هذه العوامل والتغلب على آثارِها المجتمعية الهدامة.
وهكذا اتخذنا الحوار، والتشاور، والانفتاح على جميع الفرقاء، أساسا لنهجنا في تدبير الشأن السياسي بل والشأن العام عموما، فاستطعنا بفضل الله وبجهودكم جميعا، أن نعيد الساحة السياسية، إلى ما يقتضيه، بطبيعته، نظام ديمقراطي سليم، من حصر الاختلاف، وتباين الآراء، والتنافس، في إطار من المسؤولية الأخلاقية، والالتزام الأدبي، وتغليب الصالح العام، وهو ما مكننا من تنظيم انتخابات رئاسية، وتشريعية، وجهوية، وبلدية في إجماع تام، على قواعدها وأسس تسييرها.
وترسيخا لنظامنا الديمقراطي، عززنا الثقة في هيئاته المؤسسية، ووسعنا قاعدة التمثيل فيه لضمان شمولها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك فئة الشباب، التي لم ولن ندخر جهدا في التمكين لها، إيمانا منا، بأنها عدتنا وعتادنا حاضرا ومستقبلا.
ولضمان استدامة ما تحقق، من تحسن جلي في حكامتنا السياسية، كان لا بد لنا من العمل على تقوية مختلف مؤسساتنا الدستورية. ولذا، حرصنا على ترسيخ مبدإ الفصل بين السلطات، وتعزيز وتقوية كل منها، خاصة السلطة القضائية، بحكم كونها المرجع الضامن، للسير المنتظم لجميع مؤسسات الدولة. فعملنا على عصرنة قطاع القضاء، وتطوير بناه التحتية، وتحسين ظروف العاملين به، وأطلقنا مسارا تشاوريا، يهدف إلى إصلاح العدالة في العمق، أسفر عن وثيقة وطنية، لإصلاح وتطوير العدالة، هي اليوم قيد التنفيذ.
وقد كان لهذا التحسن في الحكامة السياسية دور معتبر في نجاعة ما بذلناه من جهود على مدى المأمورية الأولى لتقوية وحدتنا الوطنية، ولحمتنا الاجتماعية، وهي جهود تركزت في الأساس على مكافحة الفقر، والهشاشة، والغبن، والتهميش، من خلال بناء شبكة أمان اجتماعيٍ واسعة، استفاد جل مواطنينا الأكثر فقرا، وهشاشة، من برامجها، وتدخلاتها المتنوعة.
وقد تعززت شبكة الأمان، هذه، بما أحرزناه في مجال النفاذ إلى التأمين الصحي الشامل، حيث استحدثنا صندوقا وطنيا للتضامن الصحي وفر الاستفادة من التأمين الصحي بتكلفة رمزية لما يقارب 200 ألف متعفف أساسا في نواكشوط، وسيغطي الصندوق تدريجيا سائر ولايات الوطن.
كما وقفنا في وجه كل ما من شأنه المساس بعيشنا المشترك، وانسجامنا المجتمعي، بمحاربة الصور النمطية الزائفة والعصبيات القبلية والشرائحية، وعززنا الرابطة العقدية الجامعة بما حققناه من عديد الإنجازات في مجال ترقية الشؤون الإسلامية.
وعلاوة على ذلك عملنا على ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وتعزيز الحريات الفردية والجماعية، وحاربنا كافة المسلكيات التي تناقض حقوق الإنسان، بتنفيذ الخطة الوطنية لمحاربة الاتجار بالأشخاص والعمل على مواءمة قوانيننا مع ما صادقنا عليه من معاهدات دولية ذات صلة.
ونفس هذا النفاذ الشامل سنعمل على تحقيقه فيما يتعلق بالماء الصالح للشرب وذلك بتنويع وتأمين مصادر التموين، بما فيها التحلية، وتعميق استكشاف الموارد الجوفية وتعبئة المياه السطحية وبالتوسعِ في بناء السدود مع إنشاء صرف صحي فعال في عواصم الولايات، قطبه الأول قيد الإنشاء في مدينة نواكشوط.
ودعما لهذا الجهد الخدمي، سيكون من أولى أولوياتنا تعزيز مسارنا التنموي الصاعد بالعمل على تحقيق أعلى مستوى ممكن من الأمن والسيادة الغذائية بترقية قطاعاتنا الإنتاجية، من زراعة وثروة حيوانية وسمكية، وكذلك بتعزيز وتطوير بنيتنا التحتية الطرقية والمينائية والرقمية. كما سنعمل على استغلال مخزوننا الطاقوي من الغاز والطاقات المتجددة لتلبية الحاجات الطاقوية، المنزلية والصناعية، ولترقية وتطوير قطاعنا المعدني ودمجه في النسيج الاقتصادي، وكذلك لإنتاج الهيدروجين الأخضر تعزيزا لدورنا كفاعل مركزي في التحول الطاقوي العالمي.
مواطني الاعزاء
إن الهدف الأساس لكل الجهود التي بذلناها ونعتزم بذلها على صعيد تحسين الحكامة السياسة والاقتصادية والاجتماعية هو صون أمن بلدنا واستقراره وتطويره إنمائيا لتتحسن باطراد ظروف عيش المواطنين وخاصة المتقاعدين منهم والقائمين على الخدمات الأساسية من أمن وتعليم وصحة.
ونظرا لبالغ اهتمامي بتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين وتحسين ظروفهم، ماديا ومعنويا، لم أفوت، طيلة المأمورية الماضية، أي فرصة سنحت لزيادة رواتب وعلاوات العمال وتعويضات المتقاعدين.
فقد استفاد عمال الصحة من مضاعفة رواتبهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة ومن زيادة معتبرة لعلاوة الخطر. كما استفاد عمال التعليم من زيادات، هي الأخرى، معتبرة وصلت إلى الضعف فيما يخص علاوات التأطير والطبشور والبعد.
كما استفاد أساتذة التعليم العالي من زيادات قيمة لرواتبهم. هذا علاوة على رفع رواتب كل الموظفين بعشرين ألف أوقية قديمة ومضاعفة تعويضات المتقاعدين.
واستمرارا في نفس النهج قررنا، وعيا بدقة ظروف المدرس وحرصا على تحسينها، استحداث صندوق لتمويل برنامج لدعم سكن المعلمين والأساتذة وتخصيص كل المنازل التي تم تشييدها في إطار برنامج داري وعددها 2508 منزلا، تزيد قيمتها الإجمالية على 22 مليار أوقية قديمة، لدعم هذا الصندوق. وقد وجهنا الحكومة بالشروع في تحديد آليات تسيير وشروط الاستفادة منه بالشراكة مع ممثلي المدرسين في أقرب الآجال.
كما قررنا تخصيص علاوة شهرية بقدر 20.000 أوقية قديمة لمدرسي السنة السادسة من التعليم الأساسي سيستفيد منها خلال العام الدراسي 2024 – 2025 أكثر من 4000 مدرس.
وفي نفس الإطار قررنا كذلك تحسين ظروف أفراد قواتنا المسلحة وقوات أمننا من خلال زيادة الرواتب الشهرية للجنود والوكلاء 15000 ألف أوقية قديمة ورواتب ضباط الصف 10000 آلاف أوقية قديمة.
كما ألزمنا الحكومة بالإسراع في الدعوة إلى حوار بين الأطراف الاجتماعية من أجل تدارس سبل الرفع من الحد الأدنى للأجور وبإطلاق دراسة تسمح بمراجعة نظام تقاعد موظفي القطاع العام قصد تحسين ظروف المتقاعدين.
أيها المواطنون؛
أيتها المواطنات؛
إنني مؤمن بعبقرية الشعب الموريتاني، واثق بقدرتنا معا على تحقيق ما نطمح إليه جميعا لبلدنا.
فمعا، يمكننا إحداث تحول مجتمعي أساسه الثقة القوية بين مكوناته وفي مؤسساته، يوطد وحدتنا الوطنية ويعزز نظامنا الديمقراطي، ويضاعف فعالية جهودنا في وضع بلدنا على مسار تنموي صاعد يسرع قيام الوطن الذي نريده جميعا، وطن العدل والإخاء والتقدم والنماء.
عاشت موريتانيا آمنة، مستقرة ومزدهرة.
وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.